قصصٌ مُختلفة وأحاديث مُؤلمة لفتيات أَخَذْنَ على عاتقهنَّ خدمة الوطن والتشرّف بذلك، فكبرت أحلامهن وارتفعت هِممهن الدراسية، بعد أن التحقن بتخصّصات يحتاجها سوق العمل في القطاع الحكومي، ورغم ذلك لم يجدْنَ مسؤولاً مُنصفاً يسمع لهنَّ أو يُدلي بدلوٍ يُخفّف أوجاع البطالة التي حاصرتهنَّ مُنذ عشرة أعوام كانت مريرة وقاسية ولم تجد قبولاً أو نظرة أمل حتى الوقت الحالي.
بدايةً قالت خريجة كلية المجتمع في "ينبع"، أمينة الرفاعي: "حصلت على دبلوم الحاسب الآلي عام 1427 هـ ، بعد دراسة تُعد صعبة جداً لظروف الغربة والسفر قبل بزوغ الشمس والعودة مع الغروب"
وأضافت الرفاعي: " لم نتسلم مُكافأة دراسية أسوةً بغيرنا وتكبّدنا تكاليف
لا تُحصى؛ منها ما يُقدّم لسائق الحافلة، ومنها ما يُقضى من مستلزمات
الدراسة الباهظة، وبعد سنتين على هذه الحال، وفي وقت يُعد هو ثورة ارتباط
الحاسب الآلي بالمرافق التعليمية والإدارات الحكومية؛ كانت الآمال الوظيفية
وتحقيق الذات مُوجوداً، صُدِمت الخريجات بمضي الأعوام واحداً تلو الآخر،
وبواقعٍ مريرٍ تبرّأت منه الوزارات بعدم التصنيف والاعتراف بتلك الكليات،
بحجة أنها شهادة دبلوم بعد الثانوي، رغم توظيف خريجات في جهات تعليمية أخرى
على وظائف ليست من اختصاصهن.
.
من جانبها طرحت خريجة محافظة "رنية"، منيرة السبيعي؛ تساؤلاً قالت فيه:
"ألا يرى المسؤولون أعداد البطالة تزيد في كل عام بين أوساط خريجات كليات
خدمة المجتمع، ولا زالت الكليات تُمارس دور الإبرة المُخدّرة بين أوساط
الطالبات ليصطدمنا بآلام البطالة أكثر من عشرة أعوام قابلة للزيادة".
وأضافت الخريجة: "كيف لا تعترف الوزارات بمؤهلاتنا وهي كانت تعلم بأننا
سندرس من أجل حلم التوظيف؟ وتُلبي حاجتنا للعمل ولقضاء احتياجاتنا
اليومية".
فيما قالت خريجة محافظة "رابغ"، فاطمة العمري، مستنكرة: "أحمل دبلوم لغة
إنجليزية مُنذ عام 1426هـ، وكل ما يُقال لنا طوال فترة الدراسة أننا سنعمل
على تدريس اللغة لطالبات المرحلة الابتدائية بعد إضافة اللغة ضمن المواد
العلمية لهن، ولكن كل تلك الأحلام تبعثرت وغابت عن الواقع مُنذ أعوام طويلة
من الانتظار المرير".
وأشارت العمري إلى أنها كانت تشتري الكُتب الدراسية من "جدة" التي تبعد عن
مقر الدراسة "150 كم"، مشيرة في حديثها إلى مُعاناة الطالبات القاطنات
للقرى البعيدة عن مركز المحافظة ومُعاناة المواصلات وتكاليفه الباهظة التي
تُحمّلهن سُلفة المال في سبيل إكمال الدراسة، رغم الحرمان من المُكافأة
الدراسية لهن.
وأكدت خريجة مدينة "تبوك" في تخصّص الإدارة المكتبية، أنها كانت تتدرّب
كمُتعاونة مع مكتب التربية والتعليم إبان اسمه السابق "الإشراف التربوي"،
في عام 1426هـ، وتقول: "بعد هذه الخِبرة صُدمنا بالخدمة المدنية تؤكد عدم
وجود وظائف لخريجات كليات المُجتمع؛ ما دعاني للبحث عن دخل شهري بالاتجاه
للعمل بالقطاع الخاص، إلا أن ذلك اصطدم بشروط تعجيزية؛ كإتقان اللغة
الإنجليزية تحدثاً وكتابةً، والاختلاط في العمل مع الرجال، علاوةً على
ساعات عمل طويلة بمقابل زهيد جداً".
من جهتها تساءلت خريجة كلية المجتمع في عرعر، نوف العنزي؛ عن سبب عدم
الاعتراف بتخصصاتهن رغم حاجة سوق العمل لهن، وإحلال مواقعهن في الوظائف
التعليمية بأخريات لا تتناسب تخصّصاتهن مع طبيعة العمل، كإقرار توظيف
خريجات معاهد المعلمات على وظائف إدارية تتعلّق بتخصصات الأولى.
وأضافت أنها تقدّمت على موقع جدارة "3"، وتم تصنيفها بعدما تقدّمت على
وظائف، حقّقت معها المُفاضلة، إلا أنها لم تصل إلى الدرجة المطلوبة التي
تستحقها حتى الآن؛ لتُكمل رصيف الانتظار مع زميلاتها.
وفيما يتعلق بالمعاناة سردت خريجة محافظة "رنية" في تخصّص الحاسب الآلي مي
العنزي مُعاناة الطالبات القادمات من محافظة بيشة قاصدات كلية خدمة المجتمع
في الأولى، إلى أنهن تعرّضْنَ لحوادث عديدة جرّاء رداءة الطريق وضيقه
وسفرهن في ساعات الفجر قبل الشروق، وكيف كان السائق كبيراً بالسن ويشكو من
غَلَبة النوم عليه كثيراً، وتعرُّض الحافلة لعدة مرات إلى السطو من قِبل
قُطّاع الطرق المُنتشرين في الطريق.
وأضافت العنزي: "فضّل بعض أولياء الأمور المُتقاعدين عن العمل الذهاب
ببناتهم قاصدين رنية كل يوم، والانتظار في المركبة ساعات طويلة في سبيل
انتظار خروج وفراغ ابنته من الدراسة.
وأكدت الخريجة العنزي أنه صدر لها قرار تعيين بوزارة التربية والتعليم،
ولكن تم استبعادها أخيراً في المطابقة، بحجة وجود خطأ في الخدمة المدنية،
لتتشتت بين منطقة عسير والرياض، تارة هنا وهناك، وتكرّرت العملية مُجدداً
بعد إعلان اسمها في موقع جدارة؛ ليُكرّر لها بأن ذلك كان خاطئاً.
وختمت حديثها قائلة: "ها نحن نتجرّع مرارة البحث عن حلم التوظيف واصطدام
ذلك بالتعليق بين وزارات "المدنية والتعليم العام والعالي.. ونُطالب
بالإنصاف".
وتقول خريجة دبلوم الحاسب الآلي من الجوف، "نوف العتيبي": "درست في منطقة
نائية وتكبّدت عناء السفر والابتعاد عن أولادي وأسرتي من أجل إكمال تعليمي
وحلمي، بعد أن تكفّلت عائلتي بتوفير تكاليف المواصلات ومُستلزمات الدراسة،
وغاية مُناي أن أعوّض أهلي بالوظيفة لأساعدهم وأعوّضهم فيما قدّموه وبذلوه
تجاهي".
وأردفت: "تقدّمت على جدارة "1"، واستبشرت باسمي من بين المُعيّنات، إلا أن
ذهابي للمطابقة بمنطقة الجوف "300كم" قوبل بطردي من إدارة التعليم، باعتبار
أنني أحمل دبلوماً وليس بكالوريوس".
واعترفت خريجة أخرى لدبلوم الحاسب الآلي، بأنها قبِلت العمل كمشرفة على
عاملات النظافة بإحدى الشركات وبراتب لا يتجاوز 1700 ريال فقط، ولمدة 8
ساعات عمل يومية بلا إجازات، في سبيل أن أجد قوت يوم أطفالي الذين يعتمدون
على الله، ثم على مُرتّبي الضعيف.
وأكملت قائلة: "هل يُعقل أن أحمل مؤهلاً مُهماً ويوافق مُتطلّبات سوق العمل، ورغم ذلك أعاني مرارة عدم التوظيف مُنذ 10 أعوام".
واستشهدت خريجة أخرى تحمل مؤهل دبلوم الحاسب الآلي، عام 1428هـ؛ بمعاناتها
مع أحد مكاتب التربية والتعليم الذي عمِلت فيه بمُسمّى ناسخة وبراتب لا
يتجاوز 800 ريال شهرياً فقط. وأضافت: "رغم ذلك لم أُعطَ عقد توظيف ولم
استلم مُرتباتي كاملة ولم يشملني التثبيت بالأمر الملكي بعد أن عمِلت لمدة
عامين كاملين".
وناشدت الخريجات بأن يصل صوتهن لخادم الحرمين الشريفين، والد
الجميع، الذي لن يتوانى أو يتأخر في النظر في قضيتهن، ويُصدر أمراً ملكياً
يُنهي ذلك؛ مثلما أنهى قضايا الخريجات السابقات مؤخراً.