الساعة تشير إلى الخامسة عصراً، الأجواء ممتلئة بالقليل من الغبار والهواء الساخن، وعلى الرغم من ذلك، وجدنا ممشى شارع التحلية يكتظ بكثير من الأشخاص، من مختلف الأعمار، يمارسون رياضة المشي، أو الهرولة. إنه المكان الذي يعتبره الكثيرون في جدة متنفسا لهم، خصوصاً النساء الموجودات بكثرة في هذا الممشى، واللواتي يفضلن القدوم لممارسة الرياضة، بعيداً عن التكلفة المرتفعة التي تحتاجها السيدة للاشتراك في نادِ رياضي. وعلى الرغم من النقص في بعض خدمات هذا الممشى، كعدم وجود دورات مياه عامة، ومقاعد للجلوس، وأماكن لرمي القمامة، ووجود بعض الأتربة، جعل منه ممارسو الرياضة مكاناً يجمع مختلف الطبقات الاجتماعية. «لها» كانت هناك، وأجرت بعض اللقاءات مع مرتادي هذا الممشى.
فاطمة: لا بد من أن يكون هناك ممشى في كل حي من أحياء مدينة جدة
عندما سألنا فاطمة عن سبب مجيئها إلى ممشى التحلية، قالت: «أريد أن أخفض من وزني، أنا امرأة عاملة، وأمضي معظم وقتي جالسة في المكتب، وعندما حوّلوا مجرى السيل إلى ممشى، أصبحت أتوجه إليه بعد انتهاء دوام عملي لأمشي ساعة على الأقل، وأعود بعدها إلى المنزل. حتى أنني أفكر بأن أقترح على إدارتي إيجاد وقت مستقطع من العمل، ولو لساعة على الأقل، نمشي فيها ونعود إلى العمل مرة أخرى».
تمشي فاطمة لليوم الثالث برفقة صديقاتها، اللواتي تشجّعن عندما أخبرتهن أن «الممشى مريح وآمن، لا يوجد فيه أي مضايقات فيمكن المجيء برفقة مجموعة من الصديقات، أو زوجك، أو بمفردك». لكنها اشتكت من وجود بعض الأتربة التي تضايق الموجودين، وطالبت بضرورة إنشاء ممشى في كل حي، فهي تقطن بعيداً من هذا الممشى، لكنّها تستغل القليل من الوقت بعد الانتهاء من عملها.
خوقير: أصبح هناك وعي لرياضة المشي دون مضايقات في جدة
تمارس هيفاء خوقير رياضة المشي في ممشى التحلية منذ شباط/فبراير الماضي. قبل سنتين كانت عضواً في أحد النوادي الرياضية في جدة، إلا أنها أكدت أن النتائج التي اكتسبتها من رياضة المشي في التحلية، أكبر بكثير من النتائج التي كانت تحصل عليها من خلال الحصص الرياضية في النادي. تقول: «من المؤكد أن السير في الطبيعة، يخالف السير على الأجهزة الرياضية. وقد نجحت في إنقاص وزني بفضل رياضة المشي فقط، والالتزام ببعض النصائح الغذائية، ولا أفكر في العودة مطلقاً إلى النادي الرياضي».
ومن السلبيات التي يعانيها ممشى التحلية ذكرت خوقير أن الممشى لا يحوي «أي مكان أو سلة لرمي القمامة فيه، إضافة إلى عدم وجود دورات مياه عامة، وثلاجة ماء، ومقاعد للجلوس، ولعل هذه من الأمور الرئيسة التي يجب أن تتوافر في أي ممشى». لافتة إلى كثرة الموجودين في الممشى، «وبالفعل أصبح هناك وعي لرياضة المشي في أي ممشى، ليس فقط في التحلية، دون أي مضايقات، أو معاكسات، فهدف الجميع ممارسة الرياضة في الهواء الطلق».
وعن اللوائح الموجودة في الممشى أشارت خوقير إلى أن هذه المعلومات مهمة جداً لممارسة رياضة المشي بطريقة آمنة وسليمة للجسم والقلب، و»أجد أن هناك أناس ملتزمين، وهناك لوحات كل 1000 متر، أو 500 متر».
إسراء: على المجتمع الاهتمام بالرياضة واعتبارها ركناً أساسياً في حياتنا
من جانبها، قالت إسراء إن اليوم هو الأول لها في ممارسة الرياضة في هذا الممشى، وقد جاءت بتشجيع من صديقتها، «المشكلة التي نعانيها كفتيات سعوديات هو عدم وجود مكان ترفيهي، أو ممشى قريب من منطقة سكنك، ويبقى الأمر معلقا بيد أحد أفراد الأسرة أو سائق. وإذا كان الأمر بعيداً، فعلى الفتاة أن تنسى أمر رياضة المشي. حتى أنني جربت أماكن عدّة للمشي إلا أنني وجدت أن بعضها متعب، وكئيب، وضيق، بعكس هذا الممشى الذي تشعرين فيه براحة، كما أنه قريب من مكان عملي». ولفتت إلى أن اهتمام الدول الغربية بالرياضة جعل منها ركناً أساسياً من حياتهم، «بعكس مجتمعنا الذي لا يهتم بالرياضة إلا لضرورة إنقاص الوزن».
أبو شنب: ممشى التحلية متنفس رائع ويشجع على ممارسة الرياضة بشكل مختلف
بعيداً عن أزمة السيارات، والحصص الرياضية في النادي، اعتادت هناء أبو شنب منذ أشهر ممارسة رياضة المشي لمدة لا تقل عن ساعتين: «بدأت السير في رمضان الماضي، وشعرت بالكثير من الراحة مع نفسي، ومع المكان أيضاً. لا يخلو الأمر أحياناً من بعض المضايقات الشفهية التي تصدر عن بعض سائقي السيارات، إلا أن الجميع في الممشى يتحلون بالأخلاق الحسنة، وتجمعنا فقط ممارسة الرياضة».
ولفتت إلى ضرورة إيجاد أماكن لرمي القمامة، حتى وإن «كانت أكياساً صغيرة في الوقت الحالي، لأني أحتفظ بالمناديل الورقية في حقيبتي، إلى حين عودتي إلى المنزل. كما أطالب الأمانة بضرورة التخلص من الرمل، ووضع القليل من الأشجار الطبيعية التي تضفي على المكان الروح الجميلة مع الأجواء العليلة نوعاً ما. إلا أني أعتقد أنه متنفس رائع، وجميل جداً وفكرة ممتازة للتشجيع على الرياضة».
د. أُبَيّ البشير: ممارسة المشي في الهواء الطلق أفضل من ممارستها في الأماكن المغلقة
من جانبه، قال الطبيب د. أُبَيّ البشير الشريك المؤسّس لمجموعة ميزان إن هناك تحسناً ملحوظاً بين أفراد المجتمع السعودي في ممارسة رياضة المشي، «وبتنا نرى الاكتظاظ في الأماكن التي أنشأتها الأمانة للاستمتاع بممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة».
وأضاف البشير أنه من الأشخاص الذين يرتادون ممشى التحلية، ويجد أنه مناسب جداً لممارسة أي نشاط رياضي، قائلاً: «أمارس الهرولة في هذا الممشى، وأجد أن عليه إقبالاً كبيراً من كل شرائح المجتمع العمرية».
وأكد أن ممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق أفضل من ممارستها في مكان مغلق، وأن الأشخاص باتوا يفضلون السير في الهواء الطلق على الاشتراك في نوادِ رياضية مرتفعة الأسعار. ولفت إلى أن هذا المكان ينقصه الكثير من الأمور، مثل دورات المياه العامة. وذكر أن ليس «للتعرق علاقة بخفض الوزن، وحرق الدهون، فالتعرق هو عبارة عن معادن وسوائل تخرج من الجسم وليس لها علاقة بالسعرات». وعن فوائد رياضة المشي قال: «تعمل على تقليل دهون الجسم، وخفض معدل نبض القلب عند الراحة، وخفض مستوى الكولسترول في الدم».